المحطات السبع الكبري في انحطاط المسلمين
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
المحطات السبع الكبري في انحطاط المسلمين
السلام عليكم
اقدم لكم مقال ل د معتز بالله عبد الفتاح
اعتقد انة من الممكن ان يكون نواة لنقاش عميق
يحاول هذا المقال أن يقف أمام بعض المحطات التاريخية التي شهدت تراجع الحضارة الإسلامية عن مكانتها الرائدة التي شغلتها في بداياتها. ودون الإغراق في المقدمات فلننفذ إلى محطات أربع في تاريخنا كان لكل منها أثره الممتد حتى يوم الناس هذا، ثم سأعقبها بمحطات ثلاث أخرى في مقال قادم ومعها نظرة على حلول مقترحة عسانا نصوب ما أخطأناه ونتجاوز ما فوتناه.
أولا تراجع الخلافة وسيادة الملك العضوض،
(تراجع عمر وسيادة معاوية)رضي الله عنهما
لا شك أن منطق تداول الحكم على أساس من الوراثة عكس ما عمل له وعليه السابقون من الخلفاء كان نقطة التراجع الأولى في دولة الإسلام بحكم أنها نقلت موقع أحاد الناس من فاعلين سياسيين يشاركون في أمر الحكم عن طريق البيعة من ناحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية إلى أخرى إلى رعايا لهم الأمان ما أمن الحكام مكرهم. ومن هنا كانت المقولة الشائعة لمعاوية: "لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا." وقد سارت منهجا التزمه اللاحقون. وقد انتزعت الدولة الأموية من الفقهاء المسلمين أنذاك السند الشرعي لطاعة ولي الأمر بغض النظر عن مدى شرعية وصوله للسلطة طالما أنه يلتزم شكلا بقواعد الإسلام واحترامه لطقوسه مثل إقامة الصلاة والدعاء للخليفة على المنبر وتطبيق الحدود والتوسع في جهاد الدفع أي رد أعداء الدولة الإسلامية عنها وجهاد الطلب أي التوسع في حدود الدولة الإسلامية.
ورغما عن أن هذا التحول الخطير في شكل نظام الدولة وأسس شرعية القائمين عليها إلا أن أخطر ما فيه أنه كان مقدمة لتحول في علاقة الدولة بالمجتمع، فبدلا من منطق أن الحاكم خادم للمجتمع المسلم وموظف عام يقوم على شئونه باختيار المجتمع ورضاه، تحول المجتمع إلى تابع للدولة توجهه وتفرض عليه شروطها. فمن عمر الذي كان يقول: " إنما أرسل لكم الولاة خادمين ومعلمين" إلى معاوية الذي قال: "إن لم يكن هذا (أي ابنه يزيد) فهذا (أي السيف)."
مات عمر، ويجلس على عروش الحكم تلاميذ معاوية، رضي الله عنهما.
ثانيا تراجع العالم الناقد لصالح عالم التقية،
(تراجع ابن حنبل وتقدم ابن معين )
لقد كانت فتنة خلق القرآن الكريم أكثر كثيرا من مجرد اختلاف فلسفي بشأن هل القرآن الكريم مخلوق كرد فعل لحوادث الدنيا، وبالتالي كان من الممكن نظريا أن تتغير بعض آياته لو تصرف أبو لهب على عكس ما تصرف مثلا أم أنه قديم قدم الدهر وكأن الله خلقه أصلا قبل خلق البشر ثم سير الأمور كي تستقيم مع القرآن الكريم. أقول هذا النقاش الفلسفي نفسه كان يمكن أن يمر مرور الكرام كما مر غيره لكنه تحول إلى علامة فاصلة في تاريخ المسلمين من زاويتين على الأقل: فهو أولا قد رسخ نمط السلطة القاهرة في مواجهة عالم الدين المعارض. فكان تعذيب ابن حنبل على يد ثلاثة من خفاء العباسيين درسا وعاه معظم علماء الدين في عصر الفتنة وممن أتوا بعدها. وسار في الإسلام نمطان: نمط شجاعة ابن حنبل المعذب بسبب صلابته في الدفاع عما رآه الحق، وتقية يحي ابن معين الذي قال إن القرآن مخلوق حتى يريح نفسه من العذاب. ويذكر هنا أن يحي بن معين، وهو بحق عالم كبير، دخل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض فسلم عليه فلم يرد السلام، فما زال يعتذر متعللا بقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، فقلب أحمد وجهه على الجانب الآخر ناكرا على ابن معين ما فعل. ويبدو أن الكثير من علماء الدين في الإسلام قد أخذوا عن ابن معين منطقه ونسوا الرسالة الأولى لكل نبي وهو أن يجاهد بالكلمة مهما كلفه الأمر، لأنه قائد رأي عام في مجتمعه وقدوة لمن يسيرون خلفه. وهذا هو ما فعله موسى النبي مع فرعون المستبد، بل فعله كل نبي مع كل جبار، بل هو ما فعله فلاسفة عصر النهضة في أوروبا مع حكامهم المستبدين، وكان بعض هؤلاء الفلاسفة ملحدين، وهو ما حاوله حديثا نساك وعباد بورما حينما سار منهم عشرة ألاف حفاة في الشوارع يقودون المجتمع وينشدون كلمة واحدة يكررونها بوعي وإصرار: "الديمقراطية... الديمقراطية." أما في حياتنا الإسلامية المعاصرة، فتكون كلمة الحق عالية ضد صغائر المواطن متى أخطأ ولا تتخطاه إلى كبائر الحكام متى وقعوا في الخطيئة. مات في الكثير من علمائنا ابن حنبل... ويحي بيننا ابن معين.
ثالثا تراجع العقل وازدهار النقل،
(تراجع ابن رشد وازدهار الغزالي)
وقد كان لمحنة خلق القرآن مع غيرها من التفاعلات الأخرى أثر آخر امتد طويلا حتى يومنا هذا. هذا الأثر نلمحه في غلبة النص دون اجتهاد في فهمه وتطبيقه على بعض مذاهبنا الفقهية، والتي جعلت الكثرة الغالبة تخشى الذهاب بعيدا عن الاجتهادات الفقهية التي خلفها الأقدمون. فترتب على ذلك نوع من المبالغة في تقدير النص والخوف من العقل المفضي إلى الفتنة بما أخذنا بعيدا عن التوازن المنطقي.. فتأخرنا في كثير من ابتكاراتنا بل وفي قبول الكثير من المبتكرات التي جاءت إلينا من الأمم الأخرى.
وبما أن العقل البشري قد أفضى للتفكير في هذه القضايا من قبيل القرآن قديم أم مخلوق فضلا عن ترجمة عشرات الكتابات من الفلسفة اليونانية القديمة وما ترتب على ذلك من طرح أسئلة لم تكن من السهل التفكير فيها من قبل العقل المسلم آنذاك فقد ساوى بعض الفقهاء بين الفلسفة والزندقة وكان الحل ذا شقين: الأول مزيد من التمسك بالأقوال المنسوبة للرسول (ص) والصحابة العظام والتابعين، ثم من ناحية أخرى ما عرف بغلق باب الاجتهاد.
فعلى مستوى التمسك بالنصوص المنسوبة للرسول (ص) وصحابته تبين لنا لاحقا أن الأغلبية الساحقة من هذا الأقوال ليست بأحاديث تنسب للرسول الكريم. فمثلا يروى أن الحسن البصري قد حفظ 600 ألف حديث، كما قيل إن الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف (أي مليون) حديث ولكنه وضع في مسنده أربعين ألفًا فقط، تكرر منها عشرة آلاف حديث في حين أننا نعرف الآن أن عدد الأحاديث التي يصح نسبتها للرسول (ص) وفقا للمحدث المعاصر الشهير ناصر الدين الألباني لا يزيدون عن ثمانية ألاف. أي أن العقل المسلم كان يسير لمدة طويلة من الزمن ومعه آلاف الأحاديث ظانا أنها تنسب للرسول الكريم، ثم تبين لنا أنها ليست كذلك؛ فتخيل معي أنك تسير في الشارع وعلى ظهرك مئات الكتب التي لا ينفعك منها إلا كتاب أو كتابان وأنت تظن خطأ أنها كلها مفيدة. وقد كان لهذا الكم المهول من الأحاديث المكذوبة دورها في تشويش العقل المسلم.
هذا على مستوى النصوص، لكن هناك رد فعل آخر على مستوى منهج التناول والذي تعامل مع قضايا الفقه بمنطق المتخوف من كل ما هو جديد أخذا بالأحوط واستنادا إلى مفهوم "سد الزرائع، وغلق مداخل الشيطان" وساد منهج ينسب في الأصل إلى الحنابلة والمالكية في سد الزرائع عند مجرد الظن وقوع المفسدة، حتى وإن لم تكن متيقنة.
وعلى هذا النهج كان الخلاف الشهير بين أبي حامد الغزالي الموصوف بـ "حجة الإسلام" وهو بالفعل عالم كبير، وبين واحد من رواد الفلسفة الغربية المسلم ابن رشد، الذي وجدت اسمه في العديد من الكتابات الغربية الكلاسيكية باعتباره من دعاة العقل والتنوير، وسببا من أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية. وصح تحليل هؤلاء لأن وجود ابن رشد، حتى وإن كان تأثيره ضعيفا، كان مهما لتحريك المياه الراكدة. ولكن لما مات جسدا، وأمتناه فكرا، فقد ضاع التوازن بين العقل والنقل. وغلب منطق أبي حامد الغزالي الذي ضمن في كتبه آلاف الأحاديث التي عرفنا لاحقا أنها ضعيفة أو لا أصل لها. وساد عند كثيرين أن العقل "هوى" وأن النص مهما ضعف سنده، أفضل مما ينتجه العقل البشري. وأصبح ابن رشد ومدرسته بمثابة الشياطين والمارقين من الدين، وهو الموقف الذي ساد لدى شرائح المجتمع غير المثقفة حتى يومنا هذا. فيهتم العامة بحواديت وحكايات الدعاة الجدد عن الماضي التي لا نعرف مدى صحتها أكثر من اهتمامهم بأي حديث ديني أو فلسفي أو علمي جاد عن قضية من قضايا مجتمعنا المعاصر، فأصبحنا أمام ظاهرة المسلم الفخور بإسلامه الجاهل به وبواقعه.
وقد قرأت حديثا أن فقهاء الدولة العثمانية قد أفتوا بحرمة الشركات المساهمة (أي مثل الشركات التي تعمل في البورصة الآن) من باب سد الزرائع وأنها "فكرة شيطانية ربوية" في حين أن الغرب قد ابتكر هذا الاختراع واستفاد منه لمدة 200 عاما قبل أن يتبين لنا نحن المسلمين أن هذه الشركات لا حرام فيها وأنها مثلها مثل غيرها تكون حلالا إن عملت في إنتاج سلع وخدمات حلال. ولكن العقل المسلم كان قد تحجر وصعب عليه أن يتبين الفرق بين ضوء الشمس وظلام الكهوف.
ويذكر الشيخ عبد الوهاب خلاف بحق أن غلق باب الاجتهاد على ما أنتجه فقهاء المسلمين في قرون الإسلام الأولى يعني ضمنا غلق باب النظرة النقدية في كتب الأقدمين وترتب على ذلك انقسام المجتهدين إلى أحزاب، ولكلّ حزب مدرسته التشريعية وتلامذتها الذين يبالغون في تخريج النصوص وكأنها مباراة في البحث عن القديم وليس في النظر للمستقبل، فخلص ذلك إلى تعصب كل مدرسة لمبانيها الخاصة أصولا وفروعا. وهكذا انتشر المتطفلون على الفتوى والقضاء، فأدى ذلك إلى تقبّل سد باب الاجتهاد. وقد علق على ذلك الشيخ محمد الغزالي بقوله: إن إغلاق باب الاجتهاد هو اجتهاد، وهذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر، والضرر هو أن الأمة توقفت فعلاً عند التفكير القديم الذي كان سائداً في القرن الرابع تقريباً. وقد ترتب على هذا الغلق لباب الاجتهاد وغلبة النصوص التي كانت كالأشجار دون ثمار أن المسلم المعاصر يجد أنه من الأصلح له أن يستورد قانونا فرنسيا في الأمور التجارية عن أن يستند إلى قواعد المذهب الحنبلي أو المالكي أو الشافعي. لأن هؤلاء الأئمة العظام قالوا ما ناسب زمنهم، ولم نقل ما يناسب زماننا إلا بتحليل وتحريم ما نستورده من الغرب والشرق ولم نقم بدورنا في الاستحداث والإنشاء.
رابعا تراجع شرعية العدل،
(لصالح شرعية العسكر)
في نفس الفترة التي ثار فيها الجدل بين الغزالي وابن رشد (القرن الثاني عشر الميلادي)، كان العالم الإسلامي يواجه خطر الحروب الصليبية وفي أعقابها غزوات التتار. وكلاهما خطر تتطلب عسكرة المجتمع بمعنى أن يعيش المسلمون لفترة طويلة من الزمن ستمتد إلى يومنا هذا، مع استثناءات قليلة، في حالة استعداد دائم لمعركة عسكرية قادمة. ومن هنا كان حكم الأيوبيين ثم المماليك ومن بعدهم العثمانيين للقيام بوظيفتين أساسيتين: منع الفتن الداخلية من جهة وحماية دار الإسلام من الخطر الخارجي من جهة ثانية. فلم يعد العلم الدنيوي والاجتهاد الشرعي إلا تابعين للوظيفة الأساسية وهي وظيفة درء الخطر الخارجي أساسا. وفي هذه الأحوال يبحث الإنسان عن شرعية القوي حتى وإن كان مخطئا جاهلا ظالما فاسدا وليس عن شرعية الضعيف حتى وإن كان مصيبا عالما عادلا نزيها، وحديثا قيل: "لا صوت يعلو على صوت المعركة." فكان المنطق الأسلم هو القبول بما سمي في الفقه ب "أمراء الاستيلاء" أو سموا لاحقا ب"أمراء التغلب" وانتهى الحال ببعض الفقهاء مثل الماوردي والجويني أن أعطوا لهؤلاء شرعية مستقلة عن شرعية الخليفة لأن سلاطين التغلب ينهضون بما نهض به الخلفاء قبلهم من حفظ الوحدة والدفاع عن دار الإسلام.
وهكذا بدلا من أن كانت شروط الخليفة أو ولي الأمر تجعل منه حاكما عالما مجتهدا عادلا حرا عاقلا قادرا على القيام بالتكاليف الشرعية والاستنباطات الفقهية، حاملا للرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح والكفاية الجسدية والقدرة على حماية البيضة وجهاد العدو، بدلا من كل هذه الشروط، تحول الأمر إلى "أصلح الله من أصبح" أي أصلح الله الحاكم الذي أصبح يحكمنا سواء وجدت فيه هذه الصفات أم لم توجد. وهو تطور خطير فبدلا من أن يزيد المسلمون من شروطهم في من يلي أمورهم، أصبحوا يقبلون من يحكمهم بنفس منطق قبولهم لنزول المطر أو غيابه، أو حدوث الزلازل أو امتناعها. أقصى ما يستطيعون هو الدعاء: "اللهم ول أمورنا خيارنا." وهي نظرة تواكلية ما أتى بها الإسلام ولكن ابتكرها الفقهاء المسلمون في عصور التخلف التي امتدت طويلا.
إذا نظرنا لهذه العوامل مجتمعة، فضلا عن المحطات ثلاث الأخرى التي سنتناولها في المقال القادم، يتبين أن بذور التخلف في مجتمعاتنا لها نصيب عميق الجذور، ولكن الحل لن يتطلب مئات السنين، فنهضة المجتمعات المعاصرة كانت سريعة بفعل عوامل العصر الذي نعيشه، على نحو ما سنرى، المهم أن نفهم أصل الداء وبدائل العلاج، والله المستعان.
يتبع
اقدم لكم مقال ل د معتز بالله عبد الفتاح
اعتقد انة من الممكن ان يكون نواة لنقاش عميق
يحاول هذا المقال أن يقف أمام بعض المحطات التاريخية التي شهدت تراجع الحضارة الإسلامية عن مكانتها الرائدة التي شغلتها في بداياتها. ودون الإغراق في المقدمات فلننفذ إلى محطات أربع في تاريخنا كان لكل منها أثره الممتد حتى يوم الناس هذا، ثم سأعقبها بمحطات ثلاث أخرى في مقال قادم ومعها نظرة على حلول مقترحة عسانا نصوب ما أخطأناه ونتجاوز ما فوتناه.
أولا تراجع الخلافة وسيادة الملك العضوض،
(تراجع عمر وسيادة معاوية)رضي الله عنهما
لا شك أن منطق تداول الحكم على أساس من الوراثة عكس ما عمل له وعليه السابقون من الخلفاء كان نقطة التراجع الأولى في دولة الإسلام بحكم أنها نقلت موقع أحاد الناس من فاعلين سياسيين يشاركون في أمر الحكم عن طريق البيعة من ناحية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من ناحية إلى أخرى إلى رعايا لهم الأمان ما أمن الحكام مكرهم. ومن هنا كانت المقولة الشائعة لمعاوية: "لا نحول بين الناس وألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا." وقد سارت منهجا التزمه اللاحقون. وقد انتزعت الدولة الأموية من الفقهاء المسلمين أنذاك السند الشرعي لطاعة ولي الأمر بغض النظر عن مدى شرعية وصوله للسلطة طالما أنه يلتزم شكلا بقواعد الإسلام واحترامه لطقوسه مثل إقامة الصلاة والدعاء للخليفة على المنبر وتطبيق الحدود والتوسع في جهاد الدفع أي رد أعداء الدولة الإسلامية عنها وجهاد الطلب أي التوسع في حدود الدولة الإسلامية.
ورغما عن أن هذا التحول الخطير في شكل نظام الدولة وأسس شرعية القائمين عليها إلا أن أخطر ما فيه أنه كان مقدمة لتحول في علاقة الدولة بالمجتمع، فبدلا من منطق أن الحاكم خادم للمجتمع المسلم وموظف عام يقوم على شئونه باختيار المجتمع ورضاه، تحول المجتمع إلى تابع للدولة توجهه وتفرض عليه شروطها. فمن عمر الذي كان يقول: " إنما أرسل لكم الولاة خادمين ومعلمين" إلى معاوية الذي قال: "إن لم يكن هذا (أي ابنه يزيد) فهذا (أي السيف)."
مات عمر، ويجلس على عروش الحكم تلاميذ معاوية، رضي الله عنهما.
ثانيا تراجع العالم الناقد لصالح عالم التقية،
(تراجع ابن حنبل وتقدم ابن معين )
لقد كانت فتنة خلق القرآن الكريم أكثر كثيرا من مجرد اختلاف فلسفي بشأن هل القرآن الكريم مخلوق كرد فعل لحوادث الدنيا، وبالتالي كان من الممكن نظريا أن تتغير بعض آياته لو تصرف أبو لهب على عكس ما تصرف مثلا أم أنه قديم قدم الدهر وكأن الله خلقه أصلا قبل خلق البشر ثم سير الأمور كي تستقيم مع القرآن الكريم. أقول هذا النقاش الفلسفي نفسه كان يمكن أن يمر مرور الكرام كما مر غيره لكنه تحول إلى علامة فاصلة في تاريخ المسلمين من زاويتين على الأقل: فهو أولا قد رسخ نمط السلطة القاهرة في مواجهة عالم الدين المعارض. فكان تعذيب ابن حنبل على يد ثلاثة من خفاء العباسيين درسا وعاه معظم علماء الدين في عصر الفتنة وممن أتوا بعدها. وسار في الإسلام نمطان: نمط شجاعة ابن حنبل المعذب بسبب صلابته في الدفاع عما رآه الحق، وتقية يحي ابن معين الذي قال إن القرآن مخلوق حتى يريح نفسه من العذاب. ويذكر هنا أن يحي بن معين، وهو بحق عالم كبير، دخل على الإمام أحمد رحمه الله وهو مريض فسلم عليه فلم يرد السلام، فما زال يعتذر متعللا بقوله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، فقلب أحمد وجهه على الجانب الآخر ناكرا على ابن معين ما فعل. ويبدو أن الكثير من علماء الدين في الإسلام قد أخذوا عن ابن معين منطقه ونسوا الرسالة الأولى لكل نبي وهو أن يجاهد بالكلمة مهما كلفه الأمر، لأنه قائد رأي عام في مجتمعه وقدوة لمن يسيرون خلفه. وهذا هو ما فعله موسى النبي مع فرعون المستبد، بل فعله كل نبي مع كل جبار، بل هو ما فعله فلاسفة عصر النهضة في أوروبا مع حكامهم المستبدين، وكان بعض هؤلاء الفلاسفة ملحدين، وهو ما حاوله حديثا نساك وعباد بورما حينما سار منهم عشرة ألاف حفاة في الشوارع يقودون المجتمع وينشدون كلمة واحدة يكررونها بوعي وإصرار: "الديمقراطية... الديمقراطية." أما في حياتنا الإسلامية المعاصرة، فتكون كلمة الحق عالية ضد صغائر المواطن متى أخطأ ولا تتخطاه إلى كبائر الحكام متى وقعوا في الخطيئة. مات في الكثير من علمائنا ابن حنبل... ويحي بيننا ابن معين.
ثالثا تراجع العقل وازدهار النقل،
(تراجع ابن رشد وازدهار الغزالي)
وقد كان لمحنة خلق القرآن مع غيرها من التفاعلات الأخرى أثر آخر امتد طويلا حتى يومنا هذا. هذا الأثر نلمحه في غلبة النص دون اجتهاد في فهمه وتطبيقه على بعض مذاهبنا الفقهية، والتي جعلت الكثرة الغالبة تخشى الذهاب بعيدا عن الاجتهادات الفقهية التي خلفها الأقدمون. فترتب على ذلك نوع من المبالغة في تقدير النص والخوف من العقل المفضي إلى الفتنة بما أخذنا بعيدا عن التوازن المنطقي.. فتأخرنا في كثير من ابتكاراتنا بل وفي قبول الكثير من المبتكرات التي جاءت إلينا من الأمم الأخرى.
وبما أن العقل البشري قد أفضى للتفكير في هذه القضايا من قبيل القرآن قديم أم مخلوق فضلا عن ترجمة عشرات الكتابات من الفلسفة اليونانية القديمة وما ترتب على ذلك من طرح أسئلة لم تكن من السهل التفكير فيها من قبل العقل المسلم آنذاك فقد ساوى بعض الفقهاء بين الفلسفة والزندقة وكان الحل ذا شقين: الأول مزيد من التمسك بالأقوال المنسوبة للرسول (ص) والصحابة العظام والتابعين، ثم من ناحية أخرى ما عرف بغلق باب الاجتهاد.
فعلى مستوى التمسك بالنصوص المنسوبة للرسول (ص) وصحابته تبين لنا لاحقا أن الأغلبية الساحقة من هذا الأقوال ليست بأحاديث تنسب للرسول الكريم. فمثلا يروى أن الحسن البصري قد حفظ 600 ألف حديث، كما قيل إن الإمام أحمد كان يحفظ ألف ألف (أي مليون) حديث ولكنه وضع في مسنده أربعين ألفًا فقط، تكرر منها عشرة آلاف حديث في حين أننا نعرف الآن أن عدد الأحاديث التي يصح نسبتها للرسول (ص) وفقا للمحدث المعاصر الشهير ناصر الدين الألباني لا يزيدون عن ثمانية ألاف. أي أن العقل المسلم كان يسير لمدة طويلة من الزمن ومعه آلاف الأحاديث ظانا أنها تنسب للرسول الكريم، ثم تبين لنا أنها ليست كذلك؛ فتخيل معي أنك تسير في الشارع وعلى ظهرك مئات الكتب التي لا ينفعك منها إلا كتاب أو كتابان وأنت تظن خطأ أنها كلها مفيدة. وقد كان لهذا الكم المهول من الأحاديث المكذوبة دورها في تشويش العقل المسلم.
هذا على مستوى النصوص، لكن هناك رد فعل آخر على مستوى منهج التناول والذي تعامل مع قضايا الفقه بمنطق المتخوف من كل ما هو جديد أخذا بالأحوط واستنادا إلى مفهوم "سد الزرائع، وغلق مداخل الشيطان" وساد منهج ينسب في الأصل إلى الحنابلة والمالكية في سد الزرائع عند مجرد الظن وقوع المفسدة، حتى وإن لم تكن متيقنة.
وعلى هذا النهج كان الخلاف الشهير بين أبي حامد الغزالي الموصوف بـ "حجة الإسلام" وهو بالفعل عالم كبير، وبين واحد من رواد الفلسفة الغربية المسلم ابن رشد، الذي وجدت اسمه في العديد من الكتابات الغربية الكلاسيكية باعتباره من دعاة العقل والتنوير، وسببا من أسباب ازدهار الحضارة الإسلامية. وصح تحليل هؤلاء لأن وجود ابن رشد، حتى وإن كان تأثيره ضعيفا، كان مهما لتحريك المياه الراكدة. ولكن لما مات جسدا، وأمتناه فكرا، فقد ضاع التوازن بين العقل والنقل. وغلب منطق أبي حامد الغزالي الذي ضمن في كتبه آلاف الأحاديث التي عرفنا لاحقا أنها ضعيفة أو لا أصل لها. وساد عند كثيرين أن العقل "هوى" وأن النص مهما ضعف سنده، أفضل مما ينتجه العقل البشري. وأصبح ابن رشد ومدرسته بمثابة الشياطين والمارقين من الدين، وهو الموقف الذي ساد لدى شرائح المجتمع غير المثقفة حتى يومنا هذا. فيهتم العامة بحواديت وحكايات الدعاة الجدد عن الماضي التي لا نعرف مدى صحتها أكثر من اهتمامهم بأي حديث ديني أو فلسفي أو علمي جاد عن قضية من قضايا مجتمعنا المعاصر، فأصبحنا أمام ظاهرة المسلم الفخور بإسلامه الجاهل به وبواقعه.
وقد قرأت حديثا أن فقهاء الدولة العثمانية قد أفتوا بحرمة الشركات المساهمة (أي مثل الشركات التي تعمل في البورصة الآن) من باب سد الزرائع وأنها "فكرة شيطانية ربوية" في حين أن الغرب قد ابتكر هذا الاختراع واستفاد منه لمدة 200 عاما قبل أن يتبين لنا نحن المسلمين أن هذه الشركات لا حرام فيها وأنها مثلها مثل غيرها تكون حلالا إن عملت في إنتاج سلع وخدمات حلال. ولكن العقل المسلم كان قد تحجر وصعب عليه أن يتبين الفرق بين ضوء الشمس وظلام الكهوف.
ويذكر الشيخ عبد الوهاب خلاف بحق أن غلق باب الاجتهاد على ما أنتجه فقهاء المسلمين في قرون الإسلام الأولى يعني ضمنا غلق باب النظرة النقدية في كتب الأقدمين وترتب على ذلك انقسام المجتهدين إلى أحزاب، ولكلّ حزب مدرسته التشريعية وتلامذتها الذين يبالغون في تخريج النصوص وكأنها مباراة في البحث عن القديم وليس في النظر للمستقبل، فخلص ذلك إلى تعصب كل مدرسة لمبانيها الخاصة أصولا وفروعا. وهكذا انتشر المتطفلون على الفتوى والقضاء، فأدى ذلك إلى تقبّل سد باب الاجتهاد. وقد علق على ذلك الشيخ محمد الغزالي بقوله: إن إغلاق باب الاجتهاد هو اجتهاد، وهذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر، والضرر هو أن الأمة توقفت فعلاً عند التفكير القديم الذي كان سائداً في القرن الرابع تقريباً. وقد ترتب على هذا الغلق لباب الاجتهاد وغلبة النصوص التي كانت كالأشجار دون ثمار أن المسلم المعاصر يجد أنه من الأصلح له أن يستورد قانونا فرنسيا في الأمور التجارية عن أن يستند إلى قواعد المذهب الحنبلي أو المالكي أو الشافعي. لأن هؤلاء الأئمة العظام قالوا ما ناسب زمنهم، ولم نقل ما يناسب زماننا إلا بتحليل وتحريم ما نستورده من الغرب والشرق ولم نقم بدورنا في الاستحداث والإنشاء.
رابعا تراجع شرعية العدل،
(لصالح شرعية العسكر)
في نفس الفترة التي ثار فيها الجدل بين الغزالي وابن رشد (القرن الثاني عشر الميلادي)، كان العالم الإسلامي يواجه خطر الحروب الصليبية وفي أعقابها غزوات التتار. وكلاهما خطر تتطلب عسكرة المجتمع بمعنى أن يعيش المسلمون لفترة طويلة من الزمن ستمتد إلى يومنا هذا، مع استثناءات قليلة، في حالة استعداد دائم لمعركة عسكرية قادمة. ومن هنا كان حكم الأيوبيين ثم المماليك ومن بعدهم العثمانيين للقيام بوظيفتين أساسيتين: منع الفتن الداخلية من جهة وحماية دار الإسلام من الخطر الخارجي من جهة ثانية. فلم يعد العلم الدنيوي والاجتهاد الشرعي إلا تابعين للوظيفة الأساسية وهي وظيفة درء الخطر الخارجي أساسا. وفي هذه الأحوال يبحث الإنسان عن شرعية القوي حتى وإن كان مخطئا جاهلا ظالما فاسدا وليس عن شرعية الضعيف حتى وإن كان مصيبا عالما عادلا نزيها، وحديثا قيل: "لا صوت يعلو على صوت المعركة." فكان المنطق الأسلم هو القبول بما سمي في الفقه ب "أمراء الاستيلاء" أو سموا لاحقا ب"أمراء التغلب" وانتهى الحال ببعض الفقهاء مثل الماوردي والجويني أن أعطوا لهؤلاء شرعية مستقلة عن شرعية الخليفة لأن سلاطين التغلب ينهضون بما نهض به الخلفاء قبلهم من حفظ الوحدة والدفاع عن دار الإسلام.
وهكذا بدلا من أن كانت شروط الخليفة أو ولي الأمر تجعل منه حاكما عالما مجتهدا عادلا حرا عاقلا قادرا على القيام بالتكاليف الشرعية والاستنباطات الفقهية، حاملا للرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح والكفاية الجسدية والقدرة على حماية البيضة وجهاد العدو، بدلا من كل هذه الشروط، تحول الأمر إلى "أصلح الله من أصبح" أي أصلح الله الحاكم الذي أصبح يحكمنا سواء وجدت فيه هذه الصفات أم لم توجد. وهو تطور خطير فبدلا من أن يزيد المسلمون من شروطهم في من يلي أمورهم، أصبحوا يقبلون من يحكمهم بنفس منطق قبولهم لنزول المطر أو غيابه، أو حدوث الزلازل أو امتناعها. أقصى ما يستطيعون هو الدعاء: "اللهم ول أمورنا خيارنا." وهي نظرة تواكلية ما أتى بها الإسلام ولكن ابتكرها الفقهاء المسلمون في عصور التخلف التي امتدت طويلا.
إذا نظرنا لهذه العوامل مجتمعة، فضلا عن المحطات ثلاث الأخرى التي سنتناولها في المقال القادم، يتبين أن بذور التخلف في مجتمعاتنا لها نصيب عميق الجذور، ولكن الحل لن يتطلب مئات السنين، فنهضة المجتمعات المعاصرة كانت سريعة بفعل عوامل العصر الذي نعيشه، على نحو ما سنرى، المهم أن نفهم أصل الداء وبدائل العلاج، والله المستعان.
يتبع
عدل سابقا من قبل عادل في 15/5/2008, 18:17 عدل 1 مرات
نهر- سحب عضوية
- عدد الرسائل : 1467
رقم العضوية : 21
تاريخ التسجيل : 25/02/2008
سندس- مشرفة
- عدد الرسائل : 960
العمر : 46
تاريخ التسجيل : 13/05/2008
رد: المحطات السبع الكبري في انحطاط المسلمين
وفي هذا المقال أشير إلى ثلاث محطات أخرى ساهمت بوضوح في تراجع مكانة المسلمين لصالح غيرهم.
خامسا: تراجع الابتكارات والكشوف العلمية والتحول إلى مجتمع الدعة والسكون
لم يكن لسيطرة المماليك على مصر والشام أثر سلبي في تراجع شرعية العدل والعلم لصالح شرعية التغلب والعسكر فقط وإنما كان لها تأثير سلبي امتد طويلا بشأن تراجع الابتكارات والكشوف العلمية وتطبيقاتها على اعتبار أنهم أهل حرب وقتال، ولم يكونوا أهل علم وتفلسف. وهو ما جعلهم ينصرفون في آخر عهدهم إلى ما أسماه العلامة ابن خلدون (القرن الخامس عشر) في تقسيمه الشهير لأطوار الدول ومراحلها بطور الدعة والسكون والذي تميل فيه الدولة إلى الاستكانة و الرضا الزائف بما أنجزت والاعتداد بما كان من سابق حضارتها حتى ولو على حساب حاضر تحضرها ومستقبله. وقد أصاب هذا المرض المسلمين في الأندلس كذلك في مراحل متفرقة لكن كان الخطر الغربي ضعيفا لأن ممالك الغرب كانت أضعف قدرة وأكثر فرقة. فانشغلت دولة المماليك كثيرا بجباية الضرائب على الفلاحين والعمال والتجار في الداخل فضلا عن الجمارك الباهظة المفروضة على تجارة أوروبا إلى الهند في الخارج. وكان جل هذه الأموال يستخدم للإنفاق على بذخ الحكام وليس لمصلحة العباد على نمط الآية الكريمة التي تقول: "وبئر معطلة وقصر مشيد." وهو ما لم يكن بعيدا عما آل إليه حال أمراء دويلات الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر حيث كانوا أقرب إلى آية نزلت في وصف اليهود "بأسهم بينهم شديد" يتصارعون فيما بينهم بالاستعانة بأعدائهم على نمط لا يبعدنا كثيرا عمن يتحالفون مع دول الغرب الآن ضد بني جلدتهم. وقد تجلى أثر سيادة نمط الدعة والسكون في عام 1492 وهو العام الذي سقطت فيه غرناطة من المسلمين وهو نفس العام الذي اكتشف فيه العالم الجديد. في نفس العام تتراجع حضارة وتتقدم حضارة حيث إن المسلمين فقدوا آخر ما امتلكوا لقرون سبعة في الأندلس وضاعت منهم فرصة اكتشاف نصف الكرة الأرضية الذي أصبح مسيحيا (كاثوليكيا في امريكا اللاتينية، وتغلب عليه البروتستانتية في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلاندا).
وسأستطرد قليلا في مناقشة كيف أفادت حضارة المسلمين في تحضر أوروبا ولم ينجح أمراء المسلمين من الاستفادة من علماء المسلمين في تلك الفترة. وهي قضية تستحق نقاشا أكبر لاحقا.
فقد كان الحلم الأكبر للأوروبيين أن يتجنبوا الضرائب الباهظة التي كانوا يدفعونها للمماليك نتيجة مرور تجارتهم عبر بلدان العرب آنذاك، فكان الأمل هو الوصول إلى الهند وجنوب آسيا دون الحاجة لأن يمروا عبر المنطقة العربية فكان الحل البرتغالي هو بالالتفاف حول إفريقيا فيما عرف تاريخيا بطريق رأس الرجاء الصالح، لكن الحل الذي اقترحه الأسبان هو الالتفاف حول الأرض نفسها تطبيقا لنظرية طالما قال بها علماء مسلمون من قبل وهي أن الأرض كروية يمكن الوصول إلى أي جزء منها بالدوران حولها إما شرقا أو غربا، جنوبا أو شمالا. وهكذا شكل الأمراء المماليك عقبة للغرب احتاجوا أن يتغلبوا عليها، وقدم العلماء المسلمون للغرب مفتاح الحل في واحدة من أعقد مفارقات التاريخ.
وكأن أمراء المسلمين قدموا للغرب التحدي وقدم علماء المسلمين لهم مفتاح الاستجابة لهذا التحدي، لكن الأمراء المسلمين كانوا مشغولين بمصالحهم الشخصية وخلافاتهم عن السعي للاكتشاف والابتكار والإفادة من جهود هؤلاء العلماء.
وهكذا بنى الأسبان سفنا أكبر لاختبار المقولة التي طالما قال بها علماء مسلمون مثل أبو عبيد الله البكري أول الجغرافيين المسلمين في الأندلس، ومن بعده المقدسي والبيروني اللذين أكدا على كروية الأرض، قياسا على الشمس والقمر ومن ثم حتمية اتصالها من جهاتها الأربع بالدوران في أي اتجاه. وهكذا نجح كولومبس في الوصول إلى العالم الجديد ظانا أنه وصل إلى الهند من جهتها الأخرى ويملأ عقله نظرية عربية المنشأ، بخرائط عربية الأصل (وضع معظمها الإدريسي)، مهتديا ببوصلة أتقن استخدامها المسلمون حتى وإن كان أول من اكتشفها الصينيون، ومعه عدد من البحارة العرب من بقايا أهل الأندلس يعينونه على اكتشاف العالم الجديد. لقد سار الرجل ورفاقه في الأرض ينظرون كيف بدأ الخلق فكان حقا على الله أن يكافئ المخلص في سعيه من أي دين كان، في الوقت الذي كان فيه حكام الممالك يهتمون بالتوافه من الأمور في حالة من الدعة والسكون يعتمدون على ريع التجارة القادمة من الشرق إلى الغرب، فينتهي بهم الحال أن تتداعى دولتهم أمام أعينهم. ولو كان هؤلاء بيننا لأقاموا المهرجانات الرياضية والحفلات الفنية وكأنها شغلهم الشاغل وتركوا خيرة علمائنا يرحلون عنا إلى بلاد الغرب يفيدون منهم ويتفاعلون معهم ونحن سعداء أن "الأهلي في كل حتة عمال يجيب إجوال".
وهكذا بدأنا ندخل عالما جديدا يكون فيه العلم موردا هاما من موارد الدولة وعنصرا أصيلا من عناصر قوتها. فدولة الجهل والجهال تضيع طاقتها وتبدد إمكاناتها، ودولة العلم والعلماء تستفيد من المبتكرات وتراكم عليها فيتقدم أهل العلم المجتمع والدولة ويتوارى السماسرة والأدعياء الذين يجدون في الهزل ويهزلون في الجد. بالعلم ارتفع أقوام وبالجهل انحط أقوام. وكنا للأسف ممن انحطوا جهلا ودعة وسكونا، ولم نزل فاعلين.
سادسا: العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار
وما زاد الأمر سوءا، أن دولة ما بعد المماليك، وهي الدولة العثمانية ما لبثت أن نهضت واستفادت من الأراضي التي ضمتها إليها ولكنها لم تفدها كثيرا لأسباب ثلاثة: أولا لقد خلقت الدولة العثمانية حالة من المركزية المقصودة أدت إلى هشاشة الهوامش (أي الولايات) وقوة المركز (أي العاصمة)، مثلما كان عليه الحال في مصر التي فقدت العديد من كبار صناعها ومهرة مبدعيها وعلمائها الذين أجبروا على السفر إلى الأستانة لتعمير المركز على حساب تراجع الهامش. وهو خطأ لم نزل نرتكبه في حياتنا المعاصرة بأن نجعل مدينة واحدة مهما توسعت مركز الحياة وما دونها يفقد حيويته تباعا، فتضيق البلاد بأهلها. ومن ناحية ثانية تبنى السلاطين والولاة العثمانيون سياسة العزلة عن العالم الخارجي خوفا من أن تقع بلاد المسلمين نهبا للاستعمار والمستعمرين وكأنها بهذا تظن أن ضعف بلاد المسلمين يعني عدم جاذبيتها للمستعمر، فتوقف المسلمون فعلا عن التفاعل مع الحضارات الغربية وأصبح الوالي يتولى الحكم لمدة ثلاث سنوات لا يهتم خلالها إلا بجباية الضرائب وتصيد أهل الفن والمهارة وإرسالهم للأستانة، ولو صدقنا ابن إياس، المؤرخ الذي لم يسلم من انتقاد، فقدت اختفت في مصر 50 صنعة بسبب النقل القسري لعلمائها وحرفييها إلى الأستانة.
وحين غزا الفرنسيون مصر في آخر القرن الثامن عشر واجه المصريون ومعهم بقايا المماليك عدوا بدا وكأنه قادم من الفضاء يستخدم أسلحة شديدة التعقيد بمعايير تلك الفترة فضلا عن أدوات علمية متقدمة مثل مطبعتين إحداهما بالعربية. وقد كانت الحملة صدمة حضارية للشرق كله، وفضيحة مدوية لأساليب الدولة العثمانية في إدارة شئون ولاياتها. فقد كانت الحملة تضم نحو 175 عالما في الرياضيات وعلم الحيوان والكيمياء والفلك والجغرافيا وهندسة المناجم والهندسة المعمارية والرسم والنحت وموسيقيين وفنيي طباعة ومتخصصين في المتفجرات وأطباء وأدباء لم يكن للأسف لهم نظير في أي من هذه المجالات في بلد كان أهله يذهلون العالم بمعابدهم وتماثيلهم الشاهدة على علمهم وإتقانهم. كما أتت الحملة بمئات الكتب في التاريخ الطبيعي والفيزياء ومعمل للكيمياء، حتى أن مؤرخ ذلك الزمن، الجبرتي، يشير إلى أن المصريين كانوا يعتقدون أن الفرنساويين يعملون سحرا أو يسخرون الجن بسبب ما كانوا يقومون به من تجارب كيمائية ينتج عنها صوت مرتفع أو دخان كثيف. ولم تجد محاولة محمد علي لإيقاظ مصر ومحيطها المباشر كثيرا فقد تحالفت الدول الغربية، بإذن من الدولة العثمانية نفسها، في القضاء على تجربته الوليدة.
وبدأ الغرب يتداعى إلى بلدان العرب والمسلمين كما تتداعى الأكلة إلى مجتمعات أصبحت قابلة للاستعمار من أي دولة من دول الغرب أيا ما كان مستواها الثقافي والعلمي كما قال مالك بن نبي.
والدرس المستفاد هنا أن توقف أي مجتمع عن التفاعل مع المجتمعات المحيطة به يعني التكلس ومن ثم التراجع والتخلف. وهو مرض أصاب الدولة العثمانية في مقتل لكن فلاسفة وعلماء الغرب كانوا أكثر وعيا واستعدادا للانفتاح والتعلم من الآخرين. فكان المستعمرون سباقين للاستفادة من منجزات ألد أعدائهم، ولم يزالوا فاعلين. فلو اكتشف الدكتور الظواهري، بصفته طبيبا، علاجا لمرض الإيدز مثلا لكانت الشركات الأمريكية أول من ستستفيد منه. ولكننا للأسف تعلمنا هذا الدرس متأخرا.
وثالث أخطر ما فعلته الدولة العثمانية، بالذات في آخر عهدها، أنها تخلت عن أعظم ما كان يميزها في بداية عهدها وهو أنها لم تكن دولة رخوة تضع القوانين ولا تنفذها بسبب الفساد والمحسوبية، مثلما تعيش الكثير من مجتمعات العرب الآن. فعلى العكس من سليمان القانوني الذي وضع القواعد الإدارية للدولة العثمانية والتزم بها طوال حكمه لمدة 48 عاما، فإن سلاطين آل عثمان اللاحقين عليه فقدوا حتى هذه المزية في الوقت الذي انتشر في الغرب حكم القانون والدستور بما يضمن تعدد مراكز صنع القرار وتمثيل فئات المجتمع بما أفضى إلى الديمقراطية الليبرالية كما يعرفونها اليوم.
وأضاع السلطان عبد الحميد في نهاية القرن التاسع عشر فرصة عظيمة كي تدخل الدولة العثمانية عصر الديمقراطية الحقة حينما تراجع عن الدستور الذي أمر بوضعه وكان حقيقة نقطة بداية مبشرة حيث أخذ الدستور العثماني بفكرة الفصل بين السلطات وأوجد إلى جانب المحاكم الشرعية المحاكم المدنية التي تختص بالقوانين الوضعية، وكفل الدستور صيانة القضاء من أي نوع من أنواع التدخل في شئونه، وأوجد سلطة تشريعية ليست ذات اختصاصات كاملة لكنها على الأقل كانت موجودة.
وقد أجريت انتخابات عامة لأول مرة في التاريخ العثماني، وأسفرت عن تمثيل المسلمين في المجلس التشريعي الأدنى بـ71 مقعدًا، والمسيحيين بـ44 مقعدًا، و4 مقاعد لليهود. وبدأ البرلمان عمله وناقش قانون الصحافة، وقانون الانتخابات، وقانون عدم مركزية الحكم، وإقرار الموازنة العامة للحكومة، وكاد الشرق أن يصحو من غفلته، لكن السلطان عبد الحميد لم يطق الديمقراطية لأنها لم تكن خاصية لصيقة به وإنما كانت ديكورا شكليا كما هي في كثير من مجتمعاتنا الآن. ولم تطل الحياة النيابية كثيرًا، حيث لم تزد عن 11 شهرًا من تاريخ انعقاده، أصدر بعدها السلطان عبد الحميد قرارا بتعطيل مجلسي البرلمان. واستمر البرلمان معطلا حتى انتهى دوره لأن الدولة العثمانية نفسها كانت قد انتهت في ظل قيادات قصيرة النظر ضيقة الأفق، مهما حسنت نواياها.
وهكذا وأد السلطان عبد الحميد ما كان يمكن أن يكون أعظم إنجازات الدولة العثمانية في آخر 50 سنة من حياتها.
وهكذا أسلمت الدولة العثمانية المجتمعات التي كانت تحت سيطرتها للاستعمار الغربي الذي أسهم بدوره في تشويه الهوية الحضارية للمسلمين، ولكن ما كان أخطر هو نوعية القيادات التي تولت الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال.
سابعا: أخطاء مرحلة ما بعد الاستقلال
هذه المحطة السابعة هي مسئولية الجيل السابق على الأحياء منا مباشرة، لأنهم استبدلوا استبداد الاستعمار الأجنبي باستبداد محلي قائم على تحالف السلطة والثروة والإكراه عادة ما يأخذ شكل حزب حاكم (السلطة) يرفع شعارات اشتراكية أو شبه اشتراكية (الثروة) بالتراضي مع الجيش والبوليس (الإكراه). وباسم الشعب: تم تأميم الدين كما يقول أستاذنا الفاضل: د. سيف الدين عبد الفتاح. فبدلا من العلمانية الليبرالية التي تعني الفصل المؤسسي بين السياسة والدين، أصبح علماء الدين موظفين لا ينطقون إلا بما يوافق توجهات التحالف الحاكم، وباسم الشعب، قضى على الأحزاب أو حاسرها ، وباسم الشعب، قتل المجتمع المدني بالسيطرة الأمنية على مؤسساته، وباسم الشعب، أمم الصحافة أو أفسد القائمين عليها بتوجيههم حيث يخدم مصالح التحالف الحاكم، وباسم الشعب دخل المعارك، فخسر معظمها وتكبد المجتمع أسوأها (خسرت مصر 20 ألف جندي في حرب سنة 1967 في حين خسرت إسرائيل 150 جندي)، وباسم الشعب تم تكريس الحدود التي تركها الاستعمار، وحافظت عليها النخب التي تدعي الوحدة والتكامل والقومية؛ فحدثت مفارقة علمنة بلا علم، وتمدن بلا مدنية، وتعليم بلا ابتكار، وتقدم مظهري وتخلف هيكلي، وسيطرة الأشخاص وتراجع المؤسسات.
وهذا هو حالنا الذي صرنا عليه. ويكون السؤال المطروح بعده استعراض هذه المحطات السبع في تخلف المسلمين: ماذا يحمل لنا المستقبل؟ وهذا موضوع مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.
يتبع
خامسا: تراجع الابتكارات والكشوف العلمية والتحول إلى مجتمع الدعة والسكون
لم يكن لسيطرة المماليك على مصر والشام أثر سلبي في تراجع شرعية العدل والعلم لصالح شرعية التغلب والعسكر فقط وإنما كان لها تأثير سلبي امتد طويلا بشأن تراجع الابتكارات والكشوف العلمية وتطبيقاتها على اعتبار أنهم أهل حرب وقتال، ولم يكونوا أهل علم وتفلسف. وهو ما جعلهم ينصرفون في آخر عهدهم إلى ما أسماه العلامة ابن خلدون (القرن الخامس عشر) في تقسيمه الشهير لأطوار الدول ومراحلها بطور الدعة والسكون والذي تميل فيه الدولة إلى الاستكانة و الرضا الزائف بما أنجزت والاعتداد بما كان من سابق حضارتها حتى ولو على حساب حاضر تحضرها ومستقبله. وقد أصاب هذا المرض المسلمين في الأندلس كذلك في مراحل متفرقة لكن كان الخطر الغربي ضعيفا لأن ممالك الغرب كانت أضعف قدرة وأكثر فرقة. فانشغلت دولة المماليك كثيرا بجباية الضرائب على الفلاحين والعمال والتجار في الداخل فضلا عن الجمارك الباهظة المفروضة على تجارة أوروبا إلى الهند في الخارج. وكان جل هذه الأموال يستخدم للإنفاق على بذخ الحكام وليس لمصلحة العباد على نمط الآية الكريمة التي تقول: "وبئر معطلة وقصر مشيد." وهو ما لم يكن بعيدا عما آل إليه حال أمراء دويلات الأندلس في نهاية القرن الخامس عشر حيث كانوا أقرب إلى آية نزلت في وصف اليهود "بأسهم بينهم شديد" يتصارعون فيما بينهم بالاستعانة بأعدائهم على نمط لا يبعدنا كثيرا عمن يتحالفون مع دول الغرب الآن ضد بني جلدتهم. وقد تجلى أثر سيادة نمط الدعة والسكون في عام 1492 وهو العام الذي سقطت فيه غرناطة من المسلمين وهو نفس العام الذي اكتشف فيه العالم الجديد. في نفس العام تتراجع حضارة وتتقدم حضارة حيث إن المسلمين فقدوا آخر ما امتلكوا لقرون سبعة في الأندلس وضاعت منهم فرصة اكتشاف نصف الكرة الأرضية الذي أصبح مسيحيا (كاثوليكيا في امريكا اللاتينية، وتغلب عليه البروتستانتية في أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلاندا).
وسأستطرد قليلا في مناقشة كيف أفادت حضارة المسلمين في تحضر أوروبا ولم ينجح أمراء المسلمين من الاستفادة من علماء المسلمين في تلك الفترة. وهي قضية تستحق نقاشا أكبر لاحقا.
فقد كان الحلم الأكبر للأوروبيين أن يتجنبوا الضرائب الباهظة التي كانوا يدفعونها للمماليك نتيجة مرور تجارتهم عبر بلدان العرب آنذاك، فكان الأمل هو الوصول إلى الهند وجنوب آسيا دون الحاجة لأن يمروا عبر المنطقة العربية فكان الحل البرتغالي هو بالالتفاف حول إفريقيا فيما عرف تاريخيا بطريق رأس الرجاء الصالح، لكن الحل الذي اقترحه الأسبان هو الالتفاف حول الأرض نفسها تطبيقا لنظرية طالما قال بها علماء مسلمون من قبل وهي أن الأرض كروية يمكن الوصول إلى أي جزء منها بالدوران حولها إما شرقا أو غربا، جنوبا أو شمالا. وهكذا شكل الأمراء المماليك عقبة للغرب احتاجوا أن يتغلبوا عليها، وقدم العلماء المسلمون للغرب مفتاح الحل في واحدة من أعقد مفارقات التاريخ.
وكأن أمراء المسلمين قدموا للغرب التحدي وقدم علماء المسلمين لهم مفتاح الاستجابة لهذا التحدي، لكن الأمراء المسلمين كانوا مشغولين بمصالحهم الشخصية وخلافاتهم عن السعي للاكتشاف والابتكار والإفادة من جهود هؤلاء العلماء.
وهكذا بنى الأسبان سفنا أكبر لاختبار المقولة التي طالما قال بها علماء مسلمون مثل أبو عبيد الله البكري أول الجغرافيين المسلمين في الأندلس، ومن بعده المقدسي والبيروني اللذين أكدا على كروية الأرض، قياسا على الشمس والقمر ومن ثم حتمية اتصالها من جهاتها الأربع بالدوران في أي اتجاه. وهكذا نجح كولومبس في الوصول إلى العالم الجديد ظانا أنه وصل إلى الهند من جهتها الأخرى ويملأ عقله نظرية عربية المنشأ، بخرائط عربية الأصل (وضع معظمها الإدريسي)، مهتديا ببوصلة أتقن استخدامها المسلمون حتى وإن كان أول من اكتشفها الصينيون، ومعه عدد من البحارة العرب من بقايا أهل الأندلس يعينونه على اكتشاف العالم الجديد. لقد سار الرجل ورفاقه في الأرض ينظرون كيف بدأ الخلق فكان حقا على الله أن يكافئ المخلص في سعيه من أي دين كان، في الوقت الذي كان فيه حكام الممالك يهتمون بالتوافه من الأمور في حالة من الدعة والسكون يعتمدون على ريع التجارة القادمة من الشرق إلى الغرب، فينتهي بهم الحال أن تتداعى دولتهم أمام أعينهم. ولو كان هؤلاء بيننا لأقاموا المهرجانات الرياضية والحفلات الفنية وكأنها شغلهم الشاغل وتركوا خيرة علمائنا يرحلون عنا إلى بلاد الغرب يفيدون منهم ويتفاعلون معهم ونحن سعداء أن "الأهلي في كل حتة عمال يجيب إجوال".
وهكذا بدأنا ندخل عالما جديدا يكون فيه العلم موردا هاما من موارد الدولة وعنصرا أصيلا من عناصر قوتها. فدولة الجهل والجهال تضيع طاقتها وتبدد إمكاناتها، ودولة العلم والعلماء تستفيد من المبتكرات وتراكم عليها فيتقدم أهل العلم المجتمع والدولة ويتوارى السماسرة والأدعياء الذين يجدون في الهزل ويهزلون في الجد. بالعلم ارتفع أقوام وبالجهل انحط أقوام. وكنا للأسف ممن انحطوا جهلا ودعة وسكونا، ولم نزل فاعلين.
سادسا: العزلة العثمانية والقابلية للاستعمار
وما زاد الأمر سوءا، أن دولة ما بعد المماليك، وهي الدولة العثمانية ما لبثت أن نهضت واستفادت من الأراضي التي ضمتها إليها ولكنها لم تفدها كثيرا لأسباب ثلاثة: أولا لقد خلقت الدولة العثمانية حالة من المركزية المقصودة أدت إلى هشاشة الهوامش (أي الولايات) وقوة المركز (أي العاصمة)، مثلما كان عليه الحال في مصر التي فقدت العديد من كبار صناعها ومهرة مبدعيها وعلمائها الذين أجبروا على السفر إلى الأستانة لتعمير المركز على حساب تراجع الهامش. وهو خطأ لم نزل نرتكبه في حياتنا المعاصرة بأن نجعل مدينة واحدة مهما توسعت مركز الحياة وما دونها يفقد حيويته تباعا، فتضيق البلاد بأهلها. ومن ناحية ثانية تبنى السلاطين والولاة العثمانيون سياسة العزلة عن العالم الخارجي خوفا من أن تقع بلاد المسلمين نهبا للاستعمار والمستعمرين وكأنها بهذا تظن أن ضعف بلاد المسلمين يعني عدم جاذبيتها للمستعمر، فتوقف المسلمون فعلا عن التفاعل مع الحضارات الغربية وأصبح الوالي يتولى الحكم لمدة ثلاث سنوات لا يهتم خلالها إلا بجباية الضرائب وتصيد أهل الفن والمهارة وإرسالهم للأستانة، ولو صدقنا ابن إياس، المؤرخ الذي لم يسلم من انتقاد، فقدت اختفت في مصر 50 صنعة بسبب النقل القسري لعلمائها وحرفييها إلى الأستانة.
وحين غزا الفرنسيون مصر في آخر القرن الثامن عشر واجه المصريون ومعهم بقايا المماليك عدوا بدا وكأنه قادم من الفضاء يستخدم أسلحة شديدة التعقيد بمعايير تلك الفترة فضلا عن أدوات علمية متقدمة مثل مطبعتين إحداهما بالعربية. وقد كانت الحملة صدمة حضارية للشرق كله، وفضيحة مدوية لأساليب الدولة العثمانية في إدارة شئون ولاياتها. فقد كانت الحملة تضم نحو 175 عالما في الرياضيات وعلم الحيوان والكيمياء والفلك والجغرافيا وهندسة المناجم والهندسة المعمارية والرسم والنحت وموسيقيين وفنيي طباعة ومتخصصين في المتفجرات وأطباء وأدباء لم يكن للأسف لهم نظير في أي من هذه المجالات في بلد كان أهله يذهلون العالم بمعابدهم وتماثيلهم الشاهدة على علمهم وإتقانهم. كما أتت الحملة بمئات الكتب في التاريخ الطبيعي والفيزياء ومعمل للكيمياء، حتى أن مؤرخ ذلك الزمن، الجبرتي، يشير إلى أن المصريين كانوا يعتقدون أن الفرنساويين يعملون سحرا أو يسخرون الجن بسبب ما كانوا يقومون به من تجارب كيمائية ينتج عنها صوت مرتفع أو دخان كثيف. ولم تجد محاولة محمد علي لإيقاظ مصر ومحيطها المباشر كثيرا فقد تحالفت الدول الغربية، بإذن من الدولة العثمانية نفسها، في القضاء على تجربته الوليدة.
وبدأ الغرب يتداعى إلى بلدان العرب والمسلمين كما تتداعى الأكلة إلى مجتمعات أصبحت قابلة للاستعمار من أي دولة من دول الغرب أيا ما كان مستواها الثقافي والعلمي كما قال مالك بن نبي.
والدرس المستفاد هنا أن توقف أي مجتمع عن التفاعل مع المجتمعات المحيطة به يعني التكلس ومن ثم التراجع والتخلف. وهو مرض أصاب الدولة العثمانية في مقتل لكن فلاسفة وعلماء الغرب كانوا أكثر وعيا واستعدادا للانفتاح والتعلم من الآخرين. فكان المستعمرون سباقين للاستفادة من منجزات ألد أعدائهم، ولم يزالوا فاعلين. فلو اكتشف الدكتور الظواهري، بصفته طبيبا، علاجا لمرض الإيدز مثلا لكانت الشركات الأمريكية أول من ستستفيد منه. ولكننا للأسف تعلمنا هذا الدرس متأخرا.
وثالث أخطر ما فعلته الدولة العثمانية، بالذات في آخر عهدها، أنها تخلت عن أعظم ما كان يميزها في بداية عهدها وهو أنها لم تكن دولة رخوة تضع القوانين ولا تنفذها بسبب الفساد والمحسوبية، مثلما تعيش الكثير من مجتمعات العرب الآن. فعلى العكس من سليمان القانوني الذي وضع القواعد الإدارية للدولة العثمانية والتزم بها طوال حكمه لمدة 48 عاما، فإن سلاطين آل عثمان اللاحقين عليه فقدوا حتى هذه المزية في الوقت الذي انتشر في الغرب حكم القانون والدستور بما يضمن تعدد مراكز صنع القرار وتمثيل فئات المجتمع بما أفضى إلى الديمقراطية الليبرالية كما يعرفونها اليوم.
وأضاع السلطان عبد الحميد في نهاية القرن التاسع عشر فرصة عظيمة كي تدخل الدولة العثمانية عصر الديمقراطية الحقة حينما تراجع عن الدستور الذي أمر بوضعه وكان حقيقة نقطة بداية مبشرة حيث أخذ الدستور العثماني بفكرة الفصل بين السلطات وأوجد إلى جانب المحاكم الشرعية المحاكم المدنية التي تختص بالقوانين الوضعية، وكفل الدستور صيانة القضاء من أي نوع من أنواع التدخل في شئونه، وأوجد سلطة تشريعية ليست ذات اختصاصات كاملة لكنها على الأقل كانت موجودة.
وقد أجريت انتخابات عامة لأول مرة في التاريخ العثماني، وأسفرت عن تمثيل المسلمين في المجلس التشريعي الأدنى بـ71 مقعدًا، والمسيحيين بـ44 مقعدًا، و4 مقاعد لليهود. وبدأ البرلمان عمله وناقش قانون الصحافة، وقانون الانتخابات، وقانون عدم مركزية الحكم، وإقرار الموازنة العامة للحكومة، وكاد الشرق أن يصحو من غفلته، لكن السلطان عبد الحميد لم يطق الديمقراطية لأنها لم تكن خاصية لصيقة به وإنما كانت ديكورا شكليا كما هي في كثير من مجتمعاتنا الآن. ولم تطل الحياة النيابية كثيرًا، حيث لم تزد عن 11 شهرًا من تاريخ انعقاده، أصدر بعدها السلطان عبد الحميد قرارا بتعطيل مجلسي البرلمان. واستمر البرلمان معطلا حتى انتهى دوره لأن الدولة العثمانية نفسها كانت قد انتهت في ظل قيادات قصيرة النظر ضيقة الأفق، مهما حسنت نواياها.
وهكذا وأد السلطان عبد الحميد ما كان يمكن أن يكون أعظم إنجازات الدولة العثمانية في آخر 50 سنة من حياتها.
وهكذا أسلمت الدولة العثمانية المجتمعات التي كانت تحت سيطرتها للاستعمار الغربي الذي أسهم بدوره في تشويه الهوية الحضارية للمسلمين، ولكن ما كان أخطر هو نوعية القيادات التي تولت الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال.
سابعا: أخطاء مرحلة ما بعد الاستقلال
هذه المحطة السابعة هي مسئولية الجيل السابق على الأحياء منا مباشرة، لأنهم استبدلوا استبداد الاستعمار الأجنبي باستبداد محلي قائم على تحالف السلطة والثروة والإكراه عادة ما يأخذ شكل حزب حاكم (السلطة) يرفع شعارات اشتراكية أو شبه اشتراكية (الثروة) بالتراضي مع الجيش والبوليس (الإكراه). وباسم الشعب: تم تأميم الدين كما يقول أستاذنا الفاضل: د. سيف الدين عبد الفتاح. فبدلا من العلمانية الليبرالية التي تعني الفصل المؤسسي بين السياسة والدين، أصبح علماء الدين موظفين لا ينطقون إلا بما يوافق توجهات التحالف الحاكم، وباسم الشعب، قضى على الأحزاب أو حاسرها ، وباسم الشعب، قتل المجتمع المدني بالسيطرة الأمنية على مؤسساته، وباسم الشعب، أمم الصحافة أو أفسد القائمين عليها بتوجيههم حيث يخدم مصالح التحالف الحاكم، وباسم الشعب دخل المعارك، فخسر معظمها وتكبد المجتمع أسوأها (خسرت مصر 20 ألف جندي في حرب سنة 1967 في حين خسرت إسرائيل 150 جندي)، وباسم الشعب تم تكريس الحدود التي تركها الاستعمار، وحافظت عليها النخب التي تدعي الوحدة والتكامل والقومية؛ فحدثت مفارقة علمنة بلا علم، وتمدن بلا مدنية، وتعليم بلا ابتكار، وتقدم مظهري وتخلف هيكلي، وسيطرة الأشخاص وتراجع المؤسسات.
وهذا هو حالنا الذي صرنا عليه. ويكون السؤال المطروح بعده استعراض هذه المحطات السبع في تخلف المسلمين: ماذا يحمل لنا المستقبل؟ وهذا موضوع مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.
يتبع
رد: المحطات السبع الكبري في انحطاط المسلمين
الموضوع ده عاوز مناقشه هادئه لأن في اكتر من نقطه لما ادخل تاني
ان شاء الله
ان شاء الله
reda elra7man- vip
- عدد الرسائل : 904
المزاج : حياه ورديه واحلام العصافير
رقم العضوية : 45
تاريخ التسجيل : 29/02/2008
رد: المحطات السبع الكبري في انحطاط المسلمين
هذه مقالة صعبة، ولكنها ضرورية إن كنا جادين في فهم لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا. فلو شئنا أن نبحث عن قاسم مشترك بين أسباب تراجع المسلمين في محطاتهم السبع الكبرى التي أشرت إليها في ما سبق
لقلت، ومع افتراض أن كل ذي رأي وكل صاحب سلطة كان يهدف إلى تحقيق مصلحة ما ارتآها في حينه، إن القاسم المشترك بين عوامل تراجع المسلمين هو غياب "العقلانية الأخلاقية" عن كثير من القرارات التي اتخذت في حينها.
وحتى لا نذهب بعيدا في التجريد الفلسفي، رغما عن ضرورته، فيمكن فهم العقلانية على أنها مفهوم فلسفي ومنطقي وعلمي يقوم على أساس حساب عوائد وتكلفة البدائل المتاحة أمام كل صانع قرار (حتى على المستوى الشخصي) ليس على أساس أن الحياة مباراة أحادية الجانب (one side game) ولكن على أساس أن هناك ردود أفعال للآخرين بعضها حال وبعضها محتمل، بعضها مقصود وبعضها غير مقصود. والحسابات العقلانية هي التي تقتضي أن يكون صانع القرار، كل في مجتمعه وبيئته، على وعي بحتمية أن يتأمل نتائج قراراته كمخرجات مباشرة (outputs)، ونتائج لاحقة (outcomes) وآثار غير مقصودة (unintended consequences) ليس من أجل أن يتحكم في كل هذه العواقب ولكن كي يكون مستعدا لمواجهتها بما يتناسب معها.
ووصف العقلانية بأنها أخلاقية يقتضي فهم هذه العقلانية في إطار من الصالح العام. فهي ليست عقلانية أنانية تؤدي إلى منطق مصلحتي المباشرة ومن ورائي الطوفان. فهذه العقلانية الأنانية والتي وصفت في الغرب باسم البرجماتية وأهم تخريجاتها الرأسمالية غير الليبرالية (أو المتوحشة) وفقا للدكتور رمزي زكي، كانت لحد بعيد حاضرة في تاريخنا، كانت حاضرة حينما نغلب صالح الفرد أو القبيلة أو الشلة على صالح المجتمع والدولة والأمة عربية كانت أو مسلمة.
فمثلا يشير د. جابر الأنصاري، المفكر البحريني المهم، إلى أن الإسلام دعا إلى تجاوز القبلية وغيرها من العصبيات حتى تكون قراراتنا عادلة أي أخلاقية "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كانا ذا قربى" وقالها الرسول العظيم عن العصبية القبلية أو الشللية: "دعوها فإنها منتنة"، لكن هذه العصبية الأسرية والقبلية والشللية بقيت وأعاقت تطور الحضارة الإسلامية ذاتها وفي ظهور مختلف الفرق والمذاهب نلاحظ شبح العشيرة خلفها! يقول الدكتور الأنصاري: في تفسير تاريخنا العربي الإسلامي: فتش عن العشيرة! هناك قبائل ظلت (عاتبة على ربها) لأنه اختار نبيه من قريش! .. وفكر (الخوارج) تقف وراءه عشائر شرق الجزيرة في رفضها للدولة، التي كانت تقودها قريش. وضمن بني هاشم بلغ الصراع المذهبي ذروته وفتك العباسيون بأبناء عمومتهم من الأمويين رغما عن أنهم جميعا يصلون. ومن هنا كان الصراع على من يحكم وليس كيف يكون الحكم وبأي سياسات وفي أي اتجاه.
إذن القرار اللاأخلاقي هو القرار الذي يتخذ من أجل مصلحة ضيقة، وليس تحقيقا للصالح العام.
وعلى هذا يتصور الإنسان نظريا أن القرارات يمكن أن تكون على حال من أربعة أحوال: إما قرار عقلاني أخلاقي، أو قرار عقلاني لا أخلاقي، أو قرار لا عقلاني أخلاقي، أو قرار لا عقلاني لا أخلاقي. وستكون هذه الأحوال موضوع مقالة قادمة إن شاء الله.
لكن المهم في هذا الصدد أننا أبناء الحضارة الإسلامية لسنا بدعا من البشر، فالاشتراكية في أصلها الفلسفي كانت منهجا أخلاقيا بامتياز، لكن تطبيقاتها كانت شديدة البعد عن العقلانية في افتراضاتها بشأن خيرية البشر وثقتها المبالغة فيها في قدرة جهاز الدولة على تحقيق الكفاءة الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية.
والمعضلة الأكبر في تاريخنا أن معظم قراراتنا الكبرى غاب عنها أحد البعدين: إما الشق الأخلاقي أو الشق العقلاني.
ولنأخذ واحدة من هزائمنا المعاصرة على سبيل التقريب، فهل كان من العقلانية في حربنا مع إسرائيل في عام 1967، أن نتبنى منطق التصعيد دون المبادرة بالحرب؟ لن أشكك في أخلاقية أهداف عبد الناصر من أنه أراد مصلحة الأمة العربية، رغما عن أنه لاحقا لام الصحفيين والإعلاميين العرب الذين أحرجوه واضطروه للتصعيد على حد قوله بما يشكك في الهدف من وراء التصعيد هل هو صالح الأمة العربية أم الحفاظ على شعبيته كزعيم، لكن ما يستحق النقاش فعلا هو مدى عقلانية القرارين السياسي والعسكري بأن يصل بالأمور لدرجة الغليان السياسي ثم ينتظر من إسرائيل الضربة الأولى. وهو كرجل عسكري كان ينبغي أن يعرف مخاطر الضربة الأولى. وحتى لو كان قد خدع، فما هي صلاحية هذه القيادات التي يمكن أن تخدع بهذه السهولة؟ وتكون الإجابة أنه قد خدع من قبل أقوى دولة في العالم وحليفتها، ويكون السؤال، لماذا لم يتحسب لقوتهما قبل أن يقدم على فعل التصعيد؟ إذن عقلانية القرارات (أي تبصر عواقبها) لا تقل في أهميتها عن أخلاقيتها (أي حرصها على الصالح العام). ومن هنا وصلت الدول الأكثر تقدما إلى قواعد الحكم الرشيد التي تجمع بين الجانبين: الديمقراطية الليبرالية التي تضمن حدا أدنى من أخلاقية القرارات السياسية والاجتماعية من ناحية، والمناهج العلمية (العقلانية) في تحديد الأهداف، ورصد المشكلات، وتجميع المعلومات، وطرح البدائل، ومناقشة مكاسب وخسائر كل بديل، ثم اتخاذ القرار، ومتابعة تنفيذه والاستعداد بتحمل المسؤولية عنه وتصحيحه على ضوء أي معلومات جديدة ترد.
وبالعودة إلى المحطات الكبرى في انحطاط المسلمين سنجد غيابا لمثل هذه العقلانية الأخلاقية.
لقد ضاع من المسلمين في تاريخهم الكثير مما كان يحمله المصطلحان: فعلى مستوى العقلانية لم توصف كثير من القرارات التي اتخذت بحسابات المكسب والخسارة، وعلى مستوى الآخلاق، لم تكن الكثير من هذه القرارات من أجل الصالح العام، ولنأخذ مثالا قرار معاوية بناء على نصيحة المغيرة بن شعبة بأن يجعل الخلافة في يزيد رغما عن عدم أهليته لقيادة المسلمين من بعده، رغما عن أن عمر ابن الخطاب رفض الولاية لعبد الله بن عمر قائلا ما معناه: لو كان هذا الأمر (أي الولاية) خيرا، فقد نلنا منه، وإن كان شرا فقد كفى ما كان.
ورغما عن أن الفقه الإسلامي غزير في باب المفاضلة بين درجات المفاسد والمصالح لكنها عند الممارسة ظلت مبادئ انتقائية تستخدم في المحاكم الشرعية وبين فقهاء المسلمين لكنها لم تصل إلى ثقافة عامة تحكم حسابات الساسة وعقول العوام إلا بانتقائية شديدة تدلل على أن العقلانية المقصودة ليست صفة أصيلة وإنما حيلة تستخدم لتحقيق مصالح ضيقة. ورغما عن أن عصر التنوير في أوروبا هو الذي أعاد للعقل وللحسابات الرشيدة مكانتها في العلم والفلسفة والسياسة والاقتصاد إلا أن أفضل تعريف قرأته عن العقلانية لا يعود إليهم وإنما يعود إلينا، حيث يقول فقهاء المسلمين:
"وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع."
وهذا نهجي عمري، نسبة إلى عمر بن الخطاب عبقري هذه الأمة الذي لا يبارى، حينما قال: ليس العاقل من عرف الخير من الشر وإنما من عرف خير الشرين، لأن معرفة الخير من الشر قد لا يحتاج حتى عقل إنسان وإنما فطرة سليمة، فالقطة التي تسرق قطعة اللحم تجري بها لأنها تعلم أنها فعلت شرا، أما المفاضل بين صنوف الشر ودرجاته وأنواع الخير ومستوياته مسألة تتطلب عقلانية وحكمة وتبصر في عواقب الأمور بل ومنهج علمي في اتخاذ القرارات بناء على علوم استراتيجية ليس هنا المجال لنقاشها.
ومثل هذا ما ذهب إليه أبو الليبرالية الغربية جون ستيورت ميل حينما وضع المبادئ الأخلاقية نفسها في إطار من المنفعة القائمة على حسابات المكسب والخسارة أي العقلانية، وللتدليل على كلامه ضرب مثلا بأن الصدق فضيلة لا بد أن يتحراها الإنسان ما دام قادرا عليها. ولكن ماذا لو ترتب على الصدق خسائر لا عقلانية ولا أخلاقية تتوارى معها فضيلة الصدق. فلو جاء شخص شاهرا سيفه ليقتل شخصا آخر أنت تعلم مكانه، وسألك عن هذا المطلوب للقتل. فهل من الأخلاق أن تتمسك بالصدق حتى لو ترتب عليه فعل نتيجة لا أخلاقية وهي قتل إنسان؟
فهنا لا بد من المفاضلة بين درجات المبادئ الأخلاقية لأن الكذب الذي ينقذ إنسانا من الموت يمكن أن يكون أفضل من الصدق المفضي إلى إزهاق روح. إذن هي عقلانية أخلاقية تجمع بين سلامة القصد وحسن التدبر.
وسأعطي مثالين سريعين من واقع الناس المعاصر حول خطورة غياب العقلانية، حتى وإن توافرت صفة "الأخلاقية" في قراراتنا. المثال الأول يرتبط برواية آيات شيطانية لسلمان رشدي، تلك الرواية التي طبعت منها إحدى دور النشر البريطانية خمسين ألف نسخة ومن خبرة سلمان رشدي مع رواياته الثلاثة السابقة كان هذا العدد من النسخ يتطلب أربعة أعوام حتى ينفد. إلى أن قرر الإمام الخوميني أن "يدافع عن الإسلام" فأصدر فتواه الشهيرة التي بموجبها أصبح سلمان رشدي مطلوبا للقتل وأصبح كتابه واحدا من أكثر الكتب مبيعا في العالم ووصلت مبيعاته في عام 1990، أي بعد عام من الفتوى الشهيرة للإمام الخوميني إلى 4 مليون نسخة بثماني لغات. أي بدلا من أن الكتاب كان يقرأ بمعدل خمسين ألف نسخة في الأربع سنوات أصبح يقرأ بمعدل 4 مليون نسخة في العام الواحد، ولم تزل الرواية تباع على نطاق واسع حتى الآن، ويالها من خدمة للإسلام!
المثال الثاني المضاد يأتي من خبرة الأباء المؤسسين الخمس وخمسين الذين اختلفوا على الكثير من التفاصيل لكنهم اتفقوا على استخدام المنهج العقلاني في تحقيق الهدف "الأخلاقي" الذي اتفقوا عليه حتى وإن كانت لنا تحفظات على مدى عنصريتهم أو تعمدهم إيذاء غير البيض. فقد ثار بينهم خلاف بشأن من الذي يحق له أن يشارك في الحياة السياسية في الدولة الوليدة.
ونحن نعلم أن قضية المشاركة السياسية مهمة باعتبارها واحد من أهم خصائص الديمقراطية الراسخة، لكن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ارتأوا آنذاك أنهم لا يبنون "ديمقراطية" للجميع وإنما يبنون "جمهورية" يشارك فيها "العاقل" الذي يستوعب قيمة المشاركة في الحياة السياسية، وقد تتحول جمهوريتهم الناشئة إلى ديمقراطية مفتوحة للجميع لاحقا. وبما أن المرأة لم تكن قد دخلت الحياة العامة بعد، فقد استبعدوا حق المرأة في المشاركة مع تأكيد الكثيرين منهم على أنه من المنطقي للمرأة أن تحصل على حقها في المشاركة السياسية. كما أنهم رفضوا أن تفرض غرامة أو عقوبة على من لا يشارك في الانتخابات، لأنهم اعتبروا أن في ذلك إكراها لغير العقلاء على المشاركة غير العاقلة في الانتخابات. فإذا كان المواطن ليس من العقلانية بأن يدرك أهمية أن يشارك في تحديد من يقود الدولة وفي أي وجهة تتجه، إذن فهو ليس جديرا بأن يشارك في العملية السياسية من الأصل.
وهكذا أقيمت الدولة الأمريكية على أساس تحديد هدف اعتبروه "أخلاقيا" مع الالتزام بالسياسات العقلانية التي تحقق هذا الهدف وبدأوا بتطبيق ذلك على أنفسهم فما قبل أي منهم أن يحكم إلا فترتين متتاليتين كحد أقصى، ولم ير أي منهم أن عليه أن يظل رئيسا ما دام في الصدر نفس يتردد لما في البقاء في المنصب لفترة طويلة من تجميد لشرايين المجتمع وسيطرة الجمود على مؤسساته. ويوم أن قرر نيلسون ماندلا أو مهاتير محمد أو بواكيم شيسانو (الموزامبيقي) أن يتركوا الحكم لغيرهم فقد كان قرارا أخلاقيا بحق وعقلانيا بصدق.
لقلت، ومع افتراض أن كل ذي رأي وكل صاحب سلطة كان يهدف إلى تحقيق مصلحة ما ارتآها في حينه، إن القاسم المشترك بين عوامل تراجع المسلمين هو غياب "العقلانية الأخلاقية" عن كثير من القرارات التي اتخذت في حينها.
وحتى لا نذهب بعيدا في التجريد الفلسفي، رغما عن ضرورته، فيمكن فهم العقلانية على أنها مفهوم فلسفي ومنطقي وعلمي يقوم على أساس حساب عوائد وتكلفة البدائل المتاحة أمام كل صانع قرار (حتى على المستوى الشخصي) ليس على أساس أن الحياة مباراة أحادية الجانب (one side game) ولكن على أساس أن هناك ردود أفعال للآخرين بعضها حال وبعضها محتمل، بعضها مقصود وبعضها غير مقصود. والحسابات العقلانية هي التي تقتضي أن يكون صانع القرار، كل في مجتمعه وبيئته، على وعي بحتمية أن يتأمل نتائج قراراته كمخرجات مباشرة (outputs)، ونتائج لاحقة (outcomes) وآثار غير مقصودة (unintended consequences) ليس من أجل أن يتحكم في كل هذه العواقب ولكن كي يكون مستعدا لمواجهتها بما يتناسب معها.
ووصف العقلانية بأنها أخلاقية يقتضي فهم هذه العقلانية في إطار من الصالح العام. فهي ليست عقلانية أنانية تؤدي إلى منطق مصلحتي المباشرة ومن ورائي الطوفان. فهذه العقلانية الأنانية والتي وصفت في الغرب باسم البرجماتية وأهم تخريجاتها الرأسمالية غير الليبرالية (أو المتوحشة) وفقا للدكتور رمزي زكي، كانت لحد بعيد حاضرة في تاريخنا، كانت حاضرة حينما نغلب صالح الفرد أو القبيلة أو الشلة على صالح المجتمع والدولة والأمة عربية كانت أو مسلمة.
فمثلا يشير د. جابر الأنصاري، المفكر البحريني المهم، إلى أن الإسلام دعا إلى تجاوز القبلية وغيرها من العصبيات حتى تكون قراراتنا عادلة أي أخلاقية "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كانا ذا قربى" وقالها الرسول العظيم عن العصبية القبلية أو الشللية: "دعوها فإنها منتنة"، لكن هذه العصبية الأسرية والقبلية والشللية بقيت وأعاقت تطور الحضارة الإسلامية ذاتها وفي ظهور مختلف الفرق والمذاهب نلاحظ شبح العشيرة خلفها! يقول الدكتور الأنصاري: في تفسير تاريخنا العربي الإسلامي: فتش عن العشيرة! هناك قبائل ظلت (عاتبة على ربها) لأنه اختار نبيه من قريش! .. وفكر (الخوارج) تقف وراءه عشائر شرق الجزيرة في رفضها للدولة، التي كانت تقودها قريش. وضمن بني هاشم بلغ الصراع المذهبي ذروته وفتك العباسيون بأبناء عمومتهم من الأمويين رغما عن أنهم جميعا يصلون. ومن هنا كان الصراع على من يحكم وليس كيف يكون الحكم وبأي سياسات وفي أي اتجاه.
إذن القرار اللاأخلاقي هو القرار الذي يتخذ من أجل مصلحة ضيقة، وليس تحقيقا للصالح العام.
وعلى هذا يتصور الإنسان نظريا أن القرارات يمكن أن تكون على حال من أربعة أحوال: إما قرار عقلاني أخلاقي، أو قرار عقلاني لا أخلاقي، أو قرار لا عقلاني أخلاقي، أو قرار لا عقلاني لا أخلاقي. وستكون هذه الأحوال موضوع مقالة قادمة إن شاء الله.
لكن المهم في هذا الصدد أننا أبناء الحضارة الإسلامية لسنا بدعا من البشر، فالاشتراكية في أصلها الفلسفي كانت منهجا أخلاقيا بامتياز، لكن تطبيقاتها كانت شديدة البعد عن العقلانية في افتراضاتها بشأن خيرية البشر وثقتها المبالغة فيها في قدرة جهاز الدولة على تحقيق الكفاءة الاقتصادية مع العدالة الاجتماعية.
والمعضلة الأكبر في تاريخنا أن معظم قراراتنا الكبرى غاب عنها أحد البعدين: إما الشق الأخلاقي أو الشق العقلاني.
ولنأخذ واحدة من هزائمنا المعاصرة على سبيل التقريب، فهل كان من العقلانية في حربنا مع إسرائيل في عام 1967، أن نتبنى منطق التصعيد دون المبادرة بالحرب؟ لن أشكك في أخلاقية أهداف عبد الناصر من أنه أراد مصلحة الأمة العربية، رغما عن أنه لاحقا لام الصحفيين والإعلاميين العرب الذين أحرجوه واضطروه للتصعيد على حد قوله بما يشكك في الهدف من وراء التصعيد هل هو صالح الأمة العربية أم الحفاظ على شعبيته كزعيم، لكن ما يستحق النقاش فعلا هو مدى عقلانية القرارين السياسي والعسكري بأن يصل بالأمور لدرجة الغليان السياسي ثم ينتظر من إسرائيل الضربة الأولى. وهو كرجل عسكري كان ينبغي أن يعرف مخاطر الضربة الأولى. وحتى لو كان قد خدع، فما هي صلاحية هذه القيادات التي يمكن أن تخدع بهذه السهولة؟ وتكون الإجابة أنه قد خدع من قبل أقوى دولة في العالم وحليفتها، ويكون السؤال، لماذا لم يتحسب لقوتهما قبل أن يقدم على فعل التصعيد؟ إذن عقلانية القرارات (أي تبصر عواقبها) لا تقل في أهميتها عن أخلاقيتها (أي حرصها على الصالح العام). ومن هنا وصلت الدول الأكثر تقدما إلى قواعد الحكم الرشيد التي تجمع بين الجانبين: الديمقراطية الليبرالية التي تضمن حدا أدنى من أخلاقية القرارات السياسية والاجتماعية من ناحية، والمناهج العلمية (العقلانية) في تحديد الأهداف، ورصد المشكلات، وتجميع المعلومات، وطرح البدائل، ومناقشة مكاسب وخسائر كل بديل، ثم اتخاذ القرار، ومتابعة تنفيذه والاستعداد بتحمل المسؤولية عنه وتصحيحه على ضوء أي معلومات جديدة ترد.
وبالعودة إلى المحطات الكبرى في انحطاط المسلمين سنجد غيابا لمثل هذه العقلانية الأخلاقية.
لقد ضاع من المسلمين في تاريخهم الكثير مما كان يحمله المصطلحان: فعلى مستوى العقلانية لم توصف كثير من القرارات التي اتخذت بحسابات المكسب والخسارة، وعلى مستوى الآخلاق، لم تكن الكثير من هذه القرارات من أجل الصالح العام، ولنأخذ مثالا قرار معاوية بناء على نصيحة المغيرة بن شعبة بأن يجعل الخلافة في يزيد رغما عن عدم أهليته لقيادة المسلمين من بعده، رغما عن أن عمر ابن الخطاب رفض الولاية لعبد الله بن عمر قائلا ما معناه: لو كان هذا الأمر (أي الولاية) خيرا، فقد نلنا منه، وإن كان شرا فقد كفى ما كان.
ورغما عن أن الفقه الإسلامي غزير في باب المفاضلة بين درجات المفاسد والمصالح لكنها عند الممارسة ظلت مبادئ انتقائية تستخدم في المحاكم الشرعية وبين فقهاء المسلمين لكنها لم تصل إلى ثقافة عامة تحكم حسابات الساسة وعقول العوام إلا بانتقائية شديدة تدلل على أن العقلانية المقصودة ليست صفة أصيلة وإنما حيلة تستخدم لتحقيق مصالح ضيقة. ورغما عن أن عصر التنوير في أوروبا هو الذي أعاد للعقل وللحسابات الرشيدة مكانتها في العلم والفلسفة والسياسة والاقتصاد إلا أن أفضل تعريف قرأته عن العقلانية لا يعود إليهم وإنما يعود إلينا، حيث يقول فقهاء المسلمين:
"وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع."
وهذا نهجي عمري، نسبة إلى عمر بن الخطاب عبقري هذه الأمة الذي لا يبارى، حينما قال: ليس العاقل من عرف الخير من الشر وإنما من عرف خير الشرين، لأن معرفة الخير من الشر قد لا يحتاج حتى عقل إنسان وإنما فطرة سليمة، فالقطة التي تسرق قطعة اللحم تجري بها لأنها تعلم أنها فعلت شرا، أما المفاضل بين صنوف الشر ودرجاته وأنواع الخير ومستوياته مسألة تتطلب عقلانية وحكمة وتبصر في عواقب الأمور بل ومنهج علمي في اتخاذ القرارات بناء على علوم استراتيجية ليس هنا المجال لنقاشها.
ومثل هذا ما ذهب إليه أبو الليبرالية الغربية جون ستيورت ميل حينما وضع المبادئ الأخلاقية نفسها في إطار من المنفعة القائمة على حسابات المكسب والخسارة أي العقلانية، وللتدليل على كلامه ضرب مثلا بأن الصدق فضيلة لا بد أن يتحراها الإنسان ما دام قادرا عليها. ولكن ماذا لو ترتب على الصدق خسائر لا عقلانية ولا أخلاقية تتوارى معها فضيلة الصدق. فلو جاء شخص شاهرا سيفه ليقتل شخصا آخر أنت تعلم مكانه، وسألك عن هذا المطلوب للقتل. فهل من الأخلاق أن تتمسك بالصدق حتى لو ترتب عليه فعل نتيجة لا أخلاقية وهي قتل إنسان؟
فهنا لا بد من المفاضلة بين درجات المبادئ الأخلاقية لأن الكذب الذي ينقذ إنسانا من الموت يمكن أن يكون أفضل من الصدق المفضي إلى إزهاق روح. إذن هي عقلانية أخلاقية تجمع بين سلامة القصد وحسن التدبر.
وسأعطي مثالين سريعين من واقع الناس المعاصر حول خطورة غياب العقلانية، حتى وإن توافرت صفة "الأخلاقية" في قراراتنا. المثال الأول يرتبط برواية آيات شيطانية لسلمان رشدي، تلك الرواية التي طبعت منها إحدى دور النشر البريطانية خمسين ألف نسخة ومن خبرة سلمان رشدي مع رواياته الثلاثة السابقة كان هذا العدد من النسخ يتطلب أربعة أعوام حتى ينفد. إلى أن قرر الإمام الخوميني أن "يدافع عن الإسلام" فأصدر فتواه الشهيرة التي بموجبها أصبح سلمان رشدي مطلوبا للقتل وأصبح كتابه واحدا من أكثر الكتب مبيعا في العالم ووصلت مبيعاته في عام 1990، أي بعد عام من الفتوى الشهيرة للإمام الخوميني إلى 4 مليون نسخة بثماني لغات. أي بدلا من أن الكتاب كان يقرأ بمعدل خمسين ألف نسخة في الأربع سنوات أصبح يقرأ بمعدل 4 مليون نسخة في العام الواحد، ولم تزل الرواية تباع على نطاق واسع حتى الآن، ويالها من خدمة للإسلام!
المثال الثاني المضاد يأتي من خبرة الأباء المؤسسين الخمس وخمسين الذين اختلفوا على الكثير من التفاصيل لكنهم اتفقوا على استخدام المنهج العقلاني في تحقيق الهدف "الأخلاقي" الذي اتفقوا عليه حتى وإن كانت لنا تحفظات على مدى عنصريتهم أو تعمدهم إيذاء غير البيض. فقد ثار بينهم خلاف بشأن من الذي يحق له أن يشارك في الحياة السياسية في الدولة الوليدة.
ونحن نعلم أن قضية المشاركة السياسية مهمة باعتبارها واحد من أهم خصائص الديمقراطية الراسخة، لكن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة ارتأوا آنذاك أنهم لا يبنون "ديمقراطية" للجميع وإنما يبنون "جمهورية" يشارك فيها "العاقل" الذي يستوعب قيمة المشاركة في الحياة السياسية، وقد تتحول جمهوريتهم الناشئة إلى ديمقراطية مفتوحة للجميع لاحقا. وبما أن المرأة لم تكن قد دخلت الحياة العامة بعد، فقد استبعدوا حق المرأة في المشاركة مع تأكيد الكثيرين منهم على أنه من المنطقي للمرأة أن تحصل على حقها في المشاركة السياسية. كما أنهم رفضوا أن تفرض غرامة أو عقوبة على من لا يشارك في الانتخابات، لأنهم اعتبروا أن في ذلك إكراها لغير العقلاء على المشاركة غير العاقلة في الانتخابات. فإذا كان المواطن ليس من العقلانية بأن يدرك أهمية أن يشارك في تحديد من يقود الدولة وفي أي وجهة تتجه، إذن فهو ليس جديرا بأن يشارك في العملية السياسية من الأصل.
وهكذا أقيمت الدولة الأمريكية على أساس تحديد هدف اعتبروه "أخلاقيا" مع الالتزام بالسياسات العقلانية التي تحقق هذا الهدف وبدأوا بتطبيق ذلك على أنفسهم فما قبل أي منهم أن يحكم إلا فترتين متتاليتين كحد أقصى، ولم ير أي منهم أن عليه أن يظل رئيسا ما دام في الصدر نفس يتردد لما في البقاء في المنصب لفترة طويلة من تجميد لشرايين المجتمع وسيطرة الجمود على مؤسساته. ويوم أن قرر نيلسون ماندلا أو مهاتير محمد أو بواكيم شيسانو (الموزامبيقي) أن يتركوا الحكم لغيرهم فقد كان قرارا أخلاقيا بحق وعقلانيا بصدق.
سندس- مشرفة
- عدد الرسائل : 960
العمر : 46
تاريخ التسجيل : 13/05/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى